الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

إسهامات الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد

صحيح أن ألفريد نوبل لم يضمن علم الاقتصاد ضمن مجالات الجائزة التي تحمل اسمه، عندما كتب وصيته عام ١٨٩٥، والتي تمنح لمن قدموا اسهامات جليلة للإنسانية في مجالاتهم.. فقد كانت الجائزة متقصرة في بدايتها على علوم الكيمياء والآداب والسلام والفيزياء والطب.

لم يأت دور تكريم علماء الاقتصاد بجائزة  تحمل اسم نوبل إلا لاحقا، تحديدا عام  ١٩٦٨، بمسمى جائزة بنك السويد الوطني في علم الاقتصاد تخليدا لذكرى نوبل، وليس (جائزة نوبل في الاقتصاد). إلا أن الفائزين بها لا يحفلون كثيرا لطول مسمى الجائزة، فهي بالنسبة لهم تظل أرفع الأوسمة في مجالهم. 

المهم.. مؤخرا، صار التشكيك في انجازات الاقتصاديين (موضة)، وصار الكل يلمزهم ويقلل من علمهم، خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية عام ٢٠٠٨، وما صاحبها من تداعيات على مستوى العالم.. لكن هذا التشكيك واللمز يأتي غالبا من متابعين سطحيين، لا يملكون إلماما بما يقوم به الاقتصادييون أصلا في عملهم اليومي.. 

من يعتقد أن مهمة الاقتصادي هي توقع أسعار الأسهم أو توقع تاريخ الأزمات الاقتصادية بدقة فسيصاب حتما بخيبة أمل.. في الواقع، قلة قليلة من الاقتصاديين يشغلون أنفسهم أصلا بمحاولة توقع حركة الأسعار أو الدورات الاقتصادية.. بينما جلهم يدركون أن الاقتصاد علم اجتماع في المقام الأول، هدفه دراسة وفهم الظواهر الاقتصادية من منظور اجتماعي، مبني على خيارات الفرد والجماعة وآليات السوق، وليس محاولة توقع الأحداث والتنجيم. 

سألني أحد الإخوة عن ما الذي أنجزه بعض ما حاز على جوائز نوبل ليستحق هذا التكريم.. الجواب طويل، لكني أحيله، وكل من له اهتمام بالموضوع إلى هذا الكتاب الذي اشتريته من مكتبة جامعة هارفارد قبل عدة سنوات.. 

الكتاب يستعرض أبرز الأفكار التي قدمها الفائزون بالجائزة خلال الأربعين عاما الماضية، والظروف المحيطة بتطور هذه الأفكار، سواء كانت ظروفا اجتماعية أو سياسية أو تقنية.. ويناقش كيف قابل المجتمع (والمختصون) هذه الأفكار حين ظهورها، والقصص التي أحاطت بشخوص هؤلاء العلماء وما قدموه للبشرية في مجالهم. 


الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

اقتصاديون منسيون ومحاولات طمس التاريخ

هذا المقال نشر في جريدة الوطن السعودية بتاريخ ٢٧-٩-٢٠١٦

الإمكان أن نعد أكثر من 30 عالما مسلما ممن جاؤوا قبل ابن خلدون، وتكلموا بعمق واستيعاب عن الظواهر الاقتصادية في زمانهم، كحركة الأسواق والإنتاج وطبيعة النقود وسياسة الإنفاق والضرائب


جوزيف شومبيتر، الذي يعد من أبرز اقتصاديي القرن العشرين، ألّف كتابا موسوعيا عام 1954 في أكثر من 1200 صفحة، بعنوان (تاريخ التحليل الاقتصادي)، تناول خلاله تاريخ الفكر الاقتصادي منذ أيام الإغريق والرومان (كأفلاطون وأرسطو) وحتى منتصف القرن العشرين. هذا الكتاب الضخم الذي يعتبر مرجعا لا غنى عنه عند الباحث المعاصر، يوحي إليك حجمه بأنه لم يترك شاردة أو واردة من إسهامات العلماء عبر التاريخ في علم الاقتصاد إلا ذكر شيئا منها أو نوه إليها، ولكن المفاجأة هي أنه عندما انتهى من ذكر إضافات عصر الرومان حول مفهوم الأسعار والقيمة، استهل الفصل الثاني بعنوان: (الفجوة العظيمة)، ثم قفز مباشرة إلى مفكري القرن الثالث عشر الميلادي في أوروبا! 
يدّعي شومبيتر بأن علم الاقتصاد شهد (فجوة) فكرية وخمولا شديدا على مدى 500 عام منذ نهاية عصر الرومان، وحتى بداية عصور التنوير في أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي، وأنه لا يوجد خلال هذه الفجوة التاريخية ما يستحق الذكر في المجال الاقتصادي، وبالتالي فإن القفز عليها وتجاوزها له ما يبرره.. هكذا وبكل وبساطة، يُنحّي شومبيتر فترة توهج الحضارة الإسلامية، ويتجاهل إسهامات علمائها الاقتصادية بشكل صارخ، وهو أمر يتكرر كثيرا عند مؤرخي الغرب الذين يعتبرون أوروبا مركز العالم. ويعممون تجربة عصور الظلام الأوروبية وكأنها شملت الكوكب كله، رغم أن عدد سكان أوروبا في عصور الظلام لم يتجاوز 10% من سكان العالم! 
هذه الفوقية الأوروبية في التعامل مع الحضارات الشرقية وحضارة الإسلام ليست جديدة، حتى إن بعض المنصفين من مفكري الغرب المتأخرين مثل المؤرخ هاري لاندرث أدرك هذا الخلل، وبدأ يطالب بإعادة النظر في دور العرب والمسلمين في مسيرة الفكر الاقتصادية، وتصحيح خطأ شومبيتر، لكن محاولات التصحيح والمراجعة هذه تبدو خجولة، ولا تتجاوز بعض الإشادة على استحياء بابن خلدون ونظريته في علوم الاجتماع وجوانبها الاقتصادية في نمو العمران وغيرها. هذه الاستدراك الغربي المتأخر أوهم بعض مثقفي العرب بأن ابن خلدون -رغم نبوغه- كان أول علماء المسلمين سبقا إلى الفكر الاقتصادي. 
في الواقع، بالإمكان أن نعدّ أكثر من 30 عالما مسلما ممن جاؤوا قبل ابن خلدون، وتكلموا بعمق واستيعاب عن الظواهر الاقتصادية في زمانهم، كحركة الأسواق والإنتاج وطبيعة النقود وسياسة الإنفاق والضرائب وعلاقتها بنواميس المجتمع، وأظهروا رقيا منطقيا في تحليل الأسباب والنتائج، بل إن كثيرا مما نقرؤه اليوم في كتب الاقتصاد، يفوح بعبق علماء الجيل الذهبي عند المسلمين، كما سيظهر لك في هذه الاستعراض السريع. 
من أوائل من تكلموا عن أثر ما يسميه المختصون اليوم بالصدمات في مستوى العرض (random shocks) كان عبدالله بن المقفع في كتاب (رسالة الصحابة)، فذكر أن الآفات التي تصيب المحاصيل الزراعية من شأنها أن تؤثر في سعر السوق، ومن ثم يَضعُف دخل المزارعين، وتتأثر ضرائب الدولة سلبا. أما القاضي أبو يوسف، الإمام العلامة الذي تولى القضاء في عهد هارون الرشيد، فألف (كتاب الخراج)، ووصل إلى الرأي الذي يُجمع عليه اقتصاديو اليوم بأن الضرائب شر لابد منه، لأنها تعتبر (عقوبة) على الإنتاج، ومن ثم وَجَب قَصرُها على تمويل مشاريع الدولة ذات المنفعة العامة. كما رأى أبو يوسف أن تكون ضريبة الأرض الزراعية نسبة من قيمة الغلة السنوية، لا أن تكون مبلغا ثابتا كل عام. وطالب بضرورة تقييم المحصول في السوق الحرة، كما يعرف اليوم بـ(mark to markets)، لأن ذلك ادعى إلى الشفافية، وأبعد عن تلاعب عمال الضرائب. هذا التحليل العميق لم يتوصل إلى مدلوله اقتصاديو الغرب إلا مؤخرا. 
أما ابن قدامة المقدسي، الفقيه الحنبلي الجليل، فقد كان يعارض مبدأ تحديد الأسعار من قبل الدولة أو السلطة، ولم يكتف لبيان رأيه بما رُوي في كتب الحديث بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يُسعّر للناس لما طلبوا ذلك، بل زاد على النص بأن أورد تحليلا اقتصاديا رفيعا عن ضرر التحديد المركزي للأسعار، وأن من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية، كاضطراب حركة التجارة، ونقص البضائع المستوردة في السوق، وحصول الشح في السلع، وتدهور رفاهية المواطنين إجمالا. فكم من المعاناة كان سيتجنبها أصحاب المبادئ الاشتراكية والتخطيط المركزي في الاقتصاد لو هم قرؤوا واستوعبوا تحليل ابن قدامة! 
وفي كتاب (الحسبة في الإسلام) يجيب شيخ الإسلام ابن تيمية إجابة العالم المُدرك لما يدور حوله من ظواهر، على سائل يشتكي من ارتفاع الأسعار - والتي كان يغلب عليها الثبات في ذلك العهد - ويبين أن ذلك ليس بالضرورة راجعا لظلم التجار أو تلاعبهم، بل قد يعود لتغير ظروف العرض والطلب (شح السلعة مع زيادة الطلب عليها)، ومدى شدة استجابة الطلب لارتفاع الأسعار. وهذه الإجابة هي تماما ما يُعرف اليوم بتحرك منحنيات العرض والطلب، ومفهوم مرونة الطلب (elasticity of demand)، كما نفهمها في مصطلحات الاقتصاد الحديثة. 
هؤلاء الأفذاذ، وغيرهم الكثير ممن لم ننل شرف ذكرهم، يظن أكثر الناس أن إنتاجهم الفكري كان مقتصرا على علوم الشريعة بالمعنى الضيق، بيد أنهم امتلكوا فكرا ثاقبا وشاملا لحركة الإنسان في الحياة، فتناولوا ظواهر اجتماعية اقتصادية صرفة، بكل منطقية وانسجام مع المنهج الرباني ودون تشنج.
ما ذكرته بإيجاز لشيء من الآراء الاقتصادية الأصيلة عند كوكبة من مفكري عصر النهضة الإسلامي هو تفنيد لنظرية (الفجوة) التي ابتدعها شومبيتر وغيره، وإحياء للاعتزاز في نفوس المهتمين بالاقتصاد، أو المقبلين على دراسته، وليعلموا أننا لسنا متطفلين على هذا العلم القيّم، بل كانت لأسلافنا إسهامات جذرية فيه، شكلت لبنات مهمة في بناء هذا العلم الذي انتهى إلى ما نراه اليوم، وهو بلا شك في اشتياق لاستئناف مساهمات المسلمين فيه.

بين الغزالي وآدم سميث: هل وقع الحافر على الحافر


هذا المقال نشر في جريدة الوطن السعودية بتاريخ ١٥-٩-٢٠١٦

الفرد لا يملك، مهما كثرت علومه ومهاراته، القيام بكل الأعمال اللازمة لصناعة شيء من الألف إلى الياء، ولو كان ببساطة معطف صوف


فكٍّر عزيزي القارئ في أبسط منتج يخطر على بالك، سواء كان قلما أو كوبا بلاستيكيا أو معطفا من الصوف.. ما هي المهارات اللازمة لصناعة هذا المنتج؟ قد تتسرع فتقول: الأمر سهل، فكل ما يلزم لمعطف الصوف مثلا هو قماش صوف ملون ومقص وبعض الخيوط والإبر، وتنتهي المسألة.. فكّر مرة أخرى يا صديقي، وتأمل هذه المرة فيما بين يديك، واستحضر سلسلة الإنتاج الطويلة والمعقدة، بدءا من المواد الأولية، مرورا بعملية النقل لكل منها، فالمنتجات الوسيطة، انتهاء بالحِرف النهائية الداخلة في استكمال المعطف، فستدرك أن معجزة اقتصادية يسرها الله لك لتنعم بأبسط المنتجات، وأن الفرد لا يملك، مهما كثرت علومه ومهاراته، القيام بكل الأعمال اللازمة لصناعة شيء من الألف إلى الياء ولو كان ببساطة معطف صوف.
كانت هذه الملاحظة الدقيقة والنافذة في عمقها مما أورده آدم سميث في كتابه (ثروة الأمم). آدم سميث هذا، هو الفيلسوف الأسكتلندي الذي عاش في القرن الثامن عشر، والذي يُجمعُ مؤرخو علم الاقتصاد في الغرب على أنه أبوالاقتصاد الحديث. حيث تكلم عن الظواهر الاقتصادية حوله من طبيعة الأسواق الحرة وعمليات الإنتاج بأسلوب منطقي مترابط، وبيّن كيف أن آليات السوق، والتنظيم الحصيف لعمليات التصنيع وتوزيع الأدوار له أبرز الأثر في زيادة دخل الدول ومضاعفة الإنتاج ورفع المستوى المادي للشعوب.
ومن أبرز الأمثلة التي تكلم عنها سميث في كتابه (ثروة الأمم)، والذي ما زال اقتصاديو الغرب يشيرون إليه في معرض الثناء والمديح، ويستشهدون به على سبقِ سميث عصرَه، هو مثال صناعة معطف الصوف. يقول سميث (ترجمتي بتصرف): "معطف الصوف مثلا، مهما كان خشنا غليظا، فهو في الحقيقة ثمرة تعاون ما لا يحصى من الأيدي العاملة. بدءا من راعي الغنم، فجزاز الصوف وجامعه، فماشط الصوف، إلى الصابغ، فالناقش والمطرز، إلى الغازل، فعامل التنشِية، مرورا بالناسج إلى الحائك ومفصّل القماش، ومعهم الكثير من البشر الذين يلزم اشتراكهم وتعاضدهم في كل واحدة من هذه الخطوات السابقة. ثم اسأل نفسك، كم من التجار والحمالين كذلك كانت لهم يد في تيسير عملية نقل وإيصال كل من هؤلاء الحرفيين بعضهم ببعض، رغم ما قد يفصل بينهم من مسافات شاسعة وبحار واسعة؟ ما حجم التجارة التي تمت، والملاحة والبواخر التي سارت، ومسيرات القوافل الطويلة؟ كم من صُناعِ السفن والبحّارة وصانعي الأشرعة والحبال؟ ما هي الحرف والصناعات التي لزم حصولها واجتماعها لتوفير أدوات كالمغزلة وآلة الحياكة والتطريز وآلة جز الصوف؟ ناهيك عن الآلات الأكثر تعقيدا؟ دعونا نتفكر لبرهة في أنواع الأعمال التي اجتمعت لجعل شيء كهذا ممكنا..". 
في هذا المثال المثير، يشير آدم سميث إلى أمرين مهمين، أولا أن تبادل السلع والخدمات، والتخصص في المهارات، وانشغال كل إنسان بما يُحسن هو سر العمران الحضاري وارتقاء جودة المصنوعات، فلا يستطيع إنسان أن ينعزل بمفرده وينتج حاجياته كلها مهما كانت بسيطة، وثانيا أن السوق الحر وانتقال البضائع بين الناس وبين البلدان، وسعي كل إنسان لتحقيق منفعته هو السر في تنظيم هذه (الأوركسترا) الإنتاجية.. إذ يستحيل أن يقوم إنسان بتنظيم سلسلة الإنتاج هذه بمفرده، بل ليس أفضل من آلية السوق الحرة لتربط هذه الحرف والصنائع ببعضها. وهذا ما يشير إليه الاقتصاديون اليوم بـ(اليد الخفية) للسوق. 
ثم أورد سميث مثالا آخر في نفس الكتاب عن مصنع الإبرة، وكيف أنه يَدخل في صناعتها 18 عملا مختلفا، وقال إن تخصص كل عامل بواحد منها يؤدي إلى مضاعفة الإنتاج. وكان هذا المثال أساسا لمفهوم (العملية الصناعية) الحديث، والذي يقوم عليه تصميم المصانع الأوتوماتيكية اليوم. 
هذه الملاحظات بلا شك تعكس رؤية اقتصادية ناضجة عند آدم سميث، ولكن هل انفرد وحده بالسَّبق في ملاحظة هذه الظواهر؟ 
أترككم مع هذا النص للإمام أبي حامد الغزالي، والذي ورد في كتابه الشهير (إحياء علوم الدين): 
"لننظر إلى ما يحتاج إليه الرغيف الواحد حتى يستدير ويصلح للأكل من بعد إلقاء البذر في الأرض، فأول ما يحتاج إليه الحارث ليزرع ويصلح الأرض، ثم الثور الذي يثير الأرض والفدان وجميع أسبابه، ثم بعد ذلك التعهد بسقي الماء مدة، ثم تنقية الأرض من الحشيش، ثم الحصاد، ثم الفرك والتنقية، ثم الطحن، ثم العجين، ثم الخبز، فتأمل عدد هذه الأفعال التي ذكرناها وما لم نذكره، وعدد الأشخاص القائمين بها، وعدد الآلات التي يحتاج إليها من الحديد والخشب والحجر وغيره، وانظر إلى أعمال الصناع في إصلاح آلات الحراثة والطحن والخبز من نجار، وحداد وغيرهما! وانظر إلى حاجة الحداد إلى الحديد والرصاص والنحاس… -إلى أن قال- فإن فتشت علمت أن رغيفا واحدا لا يستدير بحيث يصلح لأكلك يا مسكين ما لم يعمل عليه أكثر من ألف صانع".
وبعد هذا المثال المذهل، يقول الغزالي: "حتى إن الإبرة التي هي آلة صغيرة فائدتها خياطة اللباس الذي يمنع البرد عنك لا تكمل صورتها من حديدة تصلح للإبرة إلا بعد أن تمر على الإبري خمسا وعشرين مرة، ويتعاطى في كل مرة منها عملا".
فإذا علمنا أن الغزالي عاش قبل آدم سميث بحوالي 600 سنة، حُقّ لنا أن نتساءل عن مدى (توارد الخواطر) العجيب بينهما، وكيف اتفقا على أمثلة متشابهة، بل متطابقة كما في مثال صناعة الإبرة! ولا يسعنا سوى أن نقول رحم الله العالم الموسوعي الجليل أبا حامد الغزالي، وقليلا من الإنصاف يا مفكري الشرق والغرب.

نحو فهم شامل لعلم الاقتصاد

هذا المقال نشر في جريدة الوطن السعودية بتاريخ ٦-٩-٢٠١٦


أزعم أننا بحاجة إلى فهم أعمق لعلم الاقتصاد، كعلم يسعى إلى تفسير معظم ظواهر حياة الأفراد والجماعات، سواء في مناحيها المتعلقة بالكسب والمال، أو جوانبها الاجتماعية والسياسية، بل وحتى الدينية. 
وأزعم أيضا أن ما يقدم لنا ككتابات أو تعليقات وآراء اقتصادية، لا يحمل سوى لمحات طفيفة من هذا العلم العميق، ولا ينفذ -في الغالب الأعم- إلى لبه وحقيقته. 
فبينما يعتقد كثيرون أن الاقتصاد يقتصر على مجال المال وسوق الأسهم وأمور مشابهة كأرقام البطالة والتضخم وسعر صرف العملة، نجد أن علماء الاقتصاد ومؤلفيه حول العالم استطالت أيديهم، فدخلوا في مواضيع كان يراها البعض حكرا على علوم السياسة أو علوم السوسيولوجيا، فكتبوا في خيارات الفرد المتعلقة بحياته الاجتماعية والفردية، بل وحتى في تنظيم الأسرة واختيار زوج المستقبل، إضافة طبعا إلى المواضيع التقليدية المذكورة أعلاه. ولا أدَلّ على انتشار هذا المذهب الاقتصادي الشامل اليوم من الشعبية الواسعة لكتب مثل "فريكونوميكس" لمؤلفه الاقتصادي في جامعة شيكاغو ستيفين لوفيت، ومِثلُهُ كثير من الكتب التي تُطبّق آليات النظريات الاقتصادية على الظواهر والسلوكيات اليومية للأفراد، مُحاوِلةً شرح الدوافع العقلانية خلفها. 
مواضيع هذه الكتب ربما تبدو غريبة ومثيرة في البداية، كتفسير حالات الغش في المباريات الرياضية والمدارس، أو إظهار الجانب العقلاني عند من يلتحقون بالعصابات المنظمة في شوارع أميركا وخياراتهم الاجتماعية، أو تفنيد بعض الاعتقادات الخاطئة حول تربية الأطفال أو تعليمهم.. إلخ 
الاقتصاد في الأصل علم من علوم الاجتماع، يسعى إلى دراسة سلوك البشر أمام خيارات الحياة وقيودها، وتفسيرها تفسيرا منطقيا عقلانيا. 
هذا الفهم الشامل ليس جديدا، فآدم سميث، الذي يعدّه الغرب مؤسِس علم الاقتصاد الحديث، لم يكن يُفرّق في كتاباته الاقتصادية بين الجوانب التجارية البحتة والجوانب الاجتماعية والسياسية. وقَبله وضع ابن خلدون أساسا نظريا فسّر خلاله صعود الأمم وثراء الشعوب في إطار اقتصادي وسلوكي مترابط، ونَفذَ إلى أعماق القرار البشري بكل دوافعه وأهدافه مجردا من المثاليات. 
وكان لعلماء المسلمين، سواء من سبق ابن خلدون كالغزالي أو أتى بعده كابن القيم، إسهامات في مواضيع اقتصادية ربطت رغبة الإنسان في تعظيم منفعته سواء دنيوية أو أخروية، ضمن منظور متكامل يتناول حياته الخاصة والعامة. 
هذه الإسهامات الاقتصادية تجاهلها الغرب عندما كتب في تاريخ الفكر الاقتصادي، وغفل عنها المسلمون مع الأسف.
الشاهد من هذا، هو أن الاقتصاد عبارة عن منهج تحليلي متكامل، يقوم على افتراض أن الإنسان يحرص على تعظيم منفعته، بكل تعريفاتها سواء منفعة مادية أو اجتماعية أو دينية، كل هذا ضمن ذوق الفرد ورغباته التي تختلف بحسب حاله وظروفه والمعلومات المتوافرة لديه، بينما تَحُولُ بينه وبين رغباته المطلقة قيود مادية أو معنوية، كعدم توافر ما يطلبه أو ارتفاع ثمنه، وعلى أساس اختلاف هذه القيود والظروف يختلف سلوكه وخياره، دون أن يخرج عن حيز العقلانية والمنطق. 
فتحديد كمية إنتاج مصنع ذي تكاليف معينة هي مسألة اقتصادية، كذلك قرار بناء طريق عام، أو فرض رسوم على خدمة معينة، أو تحديد طبيعة المنافسة، أو الاحتكار في سوق سلعة ما، كل هذا مما اتُفقَ على خضوعه لمجال التحليل الاقتصادي. 
لكن، هل تعلم مثلا أن قرار اختيار زوجة المستقبل والحرص على كونها من ديانتك نفسها يمكن أن ُيفهم ضمن الإطار التحليلي لنظريات الاقتصاد بهدف رفع كفاءة "الإنتاج المنزلي"؟، وأن اختيار الشخص تخصصه الجامعي أو الوظيفة التي يرغب التقديم عليها، يمكن أيضا أن يخضع للأدوات التحليلية نفسها فيما يعرف بنظرية الألعاب الإستراتيجية؟ بل إن مشكلة التوفيق بين متبرعي الأعضاء البشرية "كالكلى مثلا" وبين المستحقين بحسب حالتهم لها حلٌ رياضيٌ كُتب بلغة الاقتصاد، وألّفَ فيه أحد كبار الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل في هذا المجال. وهذا غيض من فيض. 
ما أريد أن أختم به، هو أن علم الاقتصاد يسعى أولا إلى تفسير الظواهر الاجتماعية المختلفة، خلال عرضها على إطار منطقي ذي مرتكزات ثابتة، تمثل الرياضيات الحديثة لغتَه اليوم، وأن أي طرح لمواضيع تبدو في ظاهرها اقتصادية دون النفاذ إلى الأسباب السلوكية أو التنظيمية أو الاجتماعية الكامنة وراءها، يظل طرحا ناقصا في ضوء هذا المفهوم الشامل.

ياسر فقيه 2016-09-06 2:06 AM

الأحد، 28 أغسطس 2016

مسار أسعار النفط: هل أخطأ هوتيلنج


هذا المقال نشر في جريدة الوطن السعودي بتاريخ 2016-08-26


يقرر هوتيلنج أن سعر السلعة الناضبة لا بد أن يستمر في الارتفاع مع الوقت كلما استهلكنا كمية أكبر منها، ولتعويض المنتج عن حقيقة أن البرميل الذي ينتجه اليوم لن يكون متوفرا في المستقبل

الحديث عن أسعار النفط متشعب ويهيمن على دوائر الاقتصاديين وصناع القرار حول العالم. فأسواق النفط العالمية لا تتوقف لحظة، وأسعارها تعتمد على العرض والطلب المباشر وخطوط الإمداد ومستويات المخزون والعوامل السياسية، إلخ.. مما يعقد الصورة على أي مراقب لسوق هذه السلعة النفيسة. لكن لا بأس من الحديث عن تأصيل لمسار الأسعار بصفة عامة، مع الإشارة إلى أن هذا التأصيل عام ولا يتعلق بدولة أو منطقة بعينها.
أبرز ما يميز النفط كسلعة اقتصادية هو كونه موردا ناضبا، لذا فقد انفرد به فرع مستقل في الاقتصاد، يُعنى بالموارد الناضبة، وله نظرياته المستقلة ومختصوه. هذه الحقيقة قد تبدو بديهية، لكن يغفل عنها كثير من المحللين والكتاب، مما يوقعهم في استنتاجات خاطئة.

في ثلاثينات القرن الماضي، وضع الاقتصادي هارولد هوتيلنج قاعدة للاستغلال الأمثل للموارد الناضبة عبر الزمن، نتيجتها أن سعر السلعة الناضبة، كالنفط مثلا، لا بد أن يستمر في الارتفاع مع الوقت كلما استهلكنا كمية أكبر منه، وذلك لأن تكلفة استنزاف مورد ناضب، مهما كانت كميته، لا بد أن ترتفع كلما قلت الكمية في الأرض، حيث سيضطر المستخرج إلى التعمق أكثر، وأن يشد الرحال إلى أماكن نائية أو إلى أعماق المحيطات للحصول على ما تبقى من المورد. لكن هناك سبب آخر لهذا الارتفاع، يتجاوز حسابات التكلفة المباشرة، حيث تنص النظرية على أن السعر لا بد أن يستمر في الارتفاع أيضا لتعويض المنتج عن حقيقة أن البرميل الذي ينتجه اليوم، لن يكون متوفرا في المستقبل، حتى وإن كانت حاجة الأجيال القادمة له أشد، وهذا ما يعرف بقيمة الفرصة البديلة للمجتمع، وهو مفهوم يحوم حول تفاصيله الكثير من الخلاف، فهل يُكتفى مثلا بسعر الفائدة الدارجة لحساب الفرصة البديلة؟ وكيف نقيم مدى خسارة الأجيال القادمة إن استنزفنا كل المورد اليوم؟ وهل سيكون عالمهم كعالمنا حتى يكون القياس صحيحا؟ المهم أن النظرية تنص على أن سعر المورد الناضب يجب أن يستمر في الصعود حثيثا مع الوقت، وأن السعر الأمثل لا يكفي أن يغطي تكاليف الإنتاج المباشرة، كما هو الحال في السلع غير الناضبة، بل لا بد أن يكون للنضوب وحق الأجيال نصيب في السعر.

هذا ما تقوله النظرية على الورق، فهل لها تصديق على أرض الواقع؟ إذا نظرنا إلى النفط كمثال لسلعة ناضبة، فإن أسعاره عبر التاريخ لا يبدو بأنها تتبع مسارا تصاعديا (بشكل أسّي) دائما، بل هي أقرب إلى سلسلة من قمم جبال وقيعان أودية، بين صعود وهبوط دون مسار سائد. فهل نستنتج من هذا أن قاعدة هوتيلنج خاطئة؟

في الواقع، هذا الحكم على هوتيلنج وقاعدته متسرع بعض الشيء، فالقاعدة تتكلم عن الأصل في كل السلع الناضبة، وما ينبغي أن تكون عليه الأمور إذا افترضنا ثبات العوامل الأخرى، وهذا افتراض جريء. أما عن مسار الأسعار كما نراه في الحقيقة على المدى المتوسط فإنه خاضع لتنازع مجموعتين متضادتين من القوى، الأولى هي القوى التي ترفع الأسعار، من زيادة تكلفة الإنتاج مع استنزاف مكامن النفط السهلة، والتوجه إلى مواقع أكثر صعوبة كأعماق البحار، أو القوى التي ترفع الطلب العالمي نتيجة لزيادة عدد السكان مثلا، أو انتقال الأمم من طور الزراعة إلى طور التصنيع. أما مجموعة القوى المعاكسة التي تجر الأسعار إلى الأسفل فتتلخص في الاكتشافات الجديدة وزيادة الكميات الممكن استخراجها، أو التقدم التقني في مجال إنتاج النفط إجمالا، مثل تقنيات الحفر الأفقية، خافضة بذلك تكاليف الاستخراج، أو التطور التقني الذي يقلل الاعتماد المباشر على السلعة الناضبة، كانتشار السيارات الأكثر كفاءة وأقل استهلاكا للوقود، أو تغير أنماط الاقتصاد والطلب على المورد الناضب وتوفر البدائل.
المسار السعري النظري للنفط متأرجحا بين تكلفة النضوب مقابل تطور التقنية والاكتشافات الجديدة


تفاعل هاتين المجموعتين من القوى له الأثر الأبرز في مسار الأسعار على المدى المتوسط. أما عن تعويض المنتجين عن حق الأجيال القادمة، فلا يبدو أن له أثرا كبيرا في أسعار اليوم، إما لصعوبة تقدير هذا التعويض كما سبق، أو لأن تاريخ نضوب النفط بعيد في تقديرات البعض، مما يقلل قيمة هذا التعويض.

لكن يظل الأصل النظري في نهاية المطاف بالنسبة للموارد الناضبة، هو كما يقرر هوتيلنج، من أنه لا بد أن يأتي يوم تقل فيه الكميات المستخرجة وترتفع التكلفة إلى حد يجعل من الاستمرار في استعمالها أمرا غير منطقي اقتصاديا. إذاً نحن بصدد منحنى أسعار (افتراضي) يرتفع تدريجيا طوال مرحلة استغلال المورد الناضب، وتتخلله فترات من الانخفاض المؤقت نتيجة العوامل سالفة الذكر، على أن ترتفع الأسعار بعد ذلك على المدى الطويل، طالما استمر العالم في الاستهلاك المتنامي للمورد. ويستمر هذا الارتفاع إلى أن تزيد تكلفة المورد الناضب عن تكلفة البديل، عندها يتبنى العالم المصدر البديل والأجدى اقتصاديا، حتى وإن بقيت كميات كبيرة من المورد الناضب في مكامنها دون استخراج، وهذا ما يسمى بالنضوب الاقتصادي للمورد، تمييزا له عن النضوب الفعلي.
ياسر فقيه        2016-08-26 11:57 PM

الاثنين، 9 نوفمبر 2015

فضيحة سيارات فولكس واجن ومستقبل الديزل في أوروبا

تعليقات حول تداعيات فضيحة فولكس واجن على استهلاك الديزل في أوروبا

  • اعترفت شركة فولكس واجن للسيارات مؤخرا بتثبيت برنامج في السيارة يعطى قراءة مضللة لنسب الانبعاثات. 
  • لسنوات طويلة، ظلت أسعار الديزل كوقود للسيارات في أوروبا أقل من أسعار البنزين، وذلك بسبب فرض ضريبة أقل على وقود الديزل هناك. أي أن فرق السعر سببه تدخل سياسات الحكومات هناك. 
  • لهذا تزدهر مبيعات سيارات الديزل في أوروبا مقارنة بغيرها من مناطق العالم، إذ نجد أن مبيعات سيارات الديز ل في أوروبا تشكل 75% من مبيعات سيارات الديزل حول العالم.
  • كان الهدف من هذه السياسة هو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث تقل انبعاثاته من الديزل مقارنة بالبنزين بسبب ارتفاع كثافة الطاقة فيه مقارنة بالبنزين، وبالتالي يحتاج المحرك لحرق كمية أقل من الديزل لتوليد نفس كمية الطاقة في محركات البنزين. كما أن كفاءة محركات الديزل أعلى من نظيراتها محركات البنزين في عملية الاحتراق.
  • هذه الفوائد تقتصر على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذو الآثار السلبية على الانحباس الحراري، لكن ما يغفل عنه الكثير هو أن هناك انبعاثات أخرى أشد خطرا على صحة الإنسان من ثاني أكسيد الكربون مثل أكاسيد النيتروجين NOx والتي ينفثها محرك الديزل بغزارة، وتبقى عالقة في الجو على ارتفاعات منخفضة فتؤثر مباشرة على الصحة ومستوى الرؤية. 
  • أكاسيد النيتروجين تسبب ضبابا تلوثيا كثيفا (Smog) يحيط بالمدن، حتى أن مدينة في قلب أوروبا مثل باريس التي تكثر فيها سيارات الديزل تعاني أحيانا من ضباب دخاني يشبه الضباب التلوثي في مدن الصين التي تعاني بشكل حقيقي من الأدخنة الملوثة في الجو. 
  • كما أن المدن الأوروبية الكبرى وهي معقل سيارات الديزل تعتبر أكثر تلوثا من نظيراتها في أمريكا التي يكثر فيها استخدام البنزين، وهو ما لم يكن في الحسبان يوم سنت دول أوروبا قوانينا تروج لاستخدام الديزل.
  • ولهذه الأسباب، فقد بدأ مؤخرا حراك حكومي في أوروبا للحد من استخدام الديزل وفرض ضرائب أعلى عليه، مما أدى إلى تباطؤ في نسب استهلاكه في الأعوام الأخيرة.
  • كالعادة، فإن القطاع الصناعي وبالأخص مصانع سيارات الديزل يحاول جاهدا تفادي مثل هذه القوانين التي تؤثر على أرباحه المعتمدة على الديزل المدعوم حكوميا، لكن فضيحة شركة فولكس واجن الأخيرة غيرت المعادلة. 
  • إذ بدأت ردة فعل حقيقة ضد تدليس مصنعي سيارات الديزل وفوائدها المزعومة في ضوء هذه الفضيحة
  • لذا يبدو أن استخدام الديزل في أوروبا بدأ رحلة الانحسار وقد يتجه الناس مباشرة إلى سيارات كهربائية أو هجينة إذا تم توفير شبكة لها، وهو ما تحاول بعد الدول الأروبية جاهدة تيسير سبله عن طريق الاستثمار في شبكات شحن السيارات كهربائيا وتوفير الحوافز المالية للمصنعين والمشترين.
  • كل هذه التطورات ستسهم في استمرار تباطؤ استهلاك مشتقات النفط في قطاع المواصلات في القارة العجوز

الاثنين، 19 أكتوبر 2015

السيارة الكهربائية في بلاد النفط

النرويج، ذلك البلد النفطي الملهم، والمتصالح مع دوره ومسؤوليته نحو تنمية مواطنيه والانتقال الهادئ بهم إلى المستقبل، دون تشنج أو تخوف من أي تقنية ممكن أن تقلل الاعتماد على نفطهم. بل على العكس، نجده يتبنى أشد الأنظمة للحد من نمو الطلب على النفط داخل حدوده واستغلال مصادر الطاقة المتجددة (والتي ينعم بوفرتها أيضا) كطاقة المياه لتعويض الفارق. 

ضريبة امتلاك السيارات التقليدية في النرويج تعد من بين الأعلى في العالم، فبالإضافة إلى ضريبة مبيعات مباشرة تبلغ 25% في قيمة السيارة، هناك أيضا ضريبة تسجيل (استمارة) تصل إلى 12000 دولار!! وقد يبدو هذا غريبا في بلد نفطي، على الأقل من وجهة نظرنا نحن، ولعلك ستفاجأ أكثر إن علمت كيف تسعى النرويج سعيا حثيثا لتسهيل امتلاك السيارات الكهربائية التي لا تعتمد على النفط ومشتقاته نهائيا مثل سيارة تسلا و نيسان ليف. 

كنسبة من اجمالي السيارات في النرويج، تعتبر نسبة امتلاك السيارات الكهربائية هناك الأعلى في العالم، حيث بلغت نسبة السيارات الكهربائية 22% من عدد السيارات المباعة في 2015. وإذا أراد المواطن النرويجي التخلص من الضرائب الهائلة على تملك السيارات، فما عليه سوى شراء سيارة كهربائية، ولن يضطر لدفع دولار (أو كورونا) واحدة كضرائب أو رسوم تسجيل. بل أفضل من هذا، سيكون معفي من كل رسوم مواقف السيارات ورسوم الطرق السريعة أو رسوم نقل سيارته فوق السفن والعبارات البحرية.

قرأت هذه الحقائق في تحقيق صحفي مفيد نشر في صحيفة نيويورك تايمز على هذا الرابط:


هناك عدة تعليقات حول هذه المعلومات: 
- دار نقاش مشوب بشيء من المزاح بين بعض الأصدقاء عن كيف ستشكل السيارات الكهربائية طامة كبرى على دولنا النفطية إن تم تبنيها بشكل واسع. سياسات النرويج في هذا المجال هي على النقيض تماما من نظرتنا القلقة تلك. فهي تسعى لتكون أول من يتبنى التقنية الجديدة دون الهرب والتخوف.
- صحيح أن النرويج تملك وفرة في الطاقة المائية مما يضمن لها توليد كهرباء رخيص، ويخفض الأثر البيئي الكلي للسيارات الكهربائية، ولكن هذا لا يعفي دولنا في الخليج من محاولة استثمار مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية، والعمل على تقليل تكاليفها
- الحوافز المالية والاقتصادية هي أهم ما يشكل سلوك المستهلك، وهذا ما نراه في التجربة النرويجية من خلال الضرائب العالية على السيارات التقليدية، والإعفاءات الضريبية على السيارات الكهربائية
- صحيح أن النفط هو مصدر دخلنا الأساسي، ولكن هذا يمثل حافزا إضافيا لتقليل الهدر والاستهلاك الداخلي المسرف، وليس العكس.

بقي أن أقول: هذا المقال القصير ليس دعاية للسيارات الكهربائية، ولست أنادي بأن علينا تبينها الآن. هو مجرد تسليط ضوء على دولة نفطية اختارت المضي بشراسة في اتجاه يخالف المفهوم السائد في البلاد النفطية الأخرى دون تردد أو تحفظ، وراهنت على التقدم التقني وأعدت نفسها ومواطنيها لذلك، وهذا في حد ذاته مثير للإعجاب.