الاثنين، 19 أكتوبر 2015

السيارة الكهربائية في بلاد النفط

النرويج، ذلك البلد النفطي الملهم، والمتصالح مع دوره ومسؤوليته نحو تنمية مواطنيه والانتقال الهادئ بهم إلى المستقبل، دون تشنج أو تخوف من أي تقنية ممكن أن تقلل الاعتماد على نفطهم. بل على العكس، نجده يتبنى أشد الأنظمة للحد من نمو الطلب على النفط داخل حدوده واستغلال مصادر الطاقة المتجددة (والتي ينعم بوفرتها أيضا) كطاقة المياه لتعويض الفارق. 

ضريبة امتلاك السيارات التقليدية في النرويج تعد من بين الأعلى في العالم، فبالإضافة إلى ضريبة مبيعات مباشرة تبلغ 25% في قيمة السيارة، هناك أيضا ضريبة تسجيل (استمارة) تصل إلى 12000 دولار!! وقد يبدو هذا غريبا في بلد نفطي، على الأقل من وجهة نظرنا نحن، ولعلك ستفاجأ أكثر إن علمت كيف تسعى النرويج سعيا حثيثا لتسهيل امتلاك السيارات الكهربائية التي لا تعتمد على النفط ومشتقاته نهائيا مثل سيارة تسلا و نيسان ليف. 

كنسبة من اجمالي السيارات في النرويج، تعتبر نسبة امتلاك السيارات الكهربائية هناك الأعلى في العالم، حيث بلغت نسبة السيارات الكهربائية 22% من عدد السيارات المباعة في 2015. وإذا أراد المواطن النرويجي التخلص من الضرائب الهائلة على تملك السيارات، فما عليه سوى شراء سيارة كهربائية، ولن يضطر لدفع دولار (أو كورونا) واحدة كضرائب أو رسوم تسجيل. بل أفضل من هذا، سيكون معفي من كل رسوم مواقف السيارات ورسوم الطرق السريعة أو رسوم نقل سيارته فوق السفن والعبارات البحرية.

قرأت هذه الحقائق في تحقيق صحفي مفيد نشر في صحيفة نيويورك تايمز على هذا الرابط:


هناك عدة تعليقات حول هذه المعلومات: 
- دار نقاش مشوب بشيء من المزاح بين بعض الأصدقاء عن كيف ستشكل السيارات الكهربائية طامة كبرى على دولنا النفطية إن تم تبنيها بشكل واسع. سياسات النرويج في هذا المجال هي على النقيض تماما من نظرتنا القلقة تلك. فهي تسعى لتكون أول من يتبنى التقنية الجديدة دون الهرب والتخوف.
- صحيح أن النرويج تملك وفرة في الطاقة المائية مما يضمن لها توليد كهرباء رخيص، ويخفض الأثر البيئي الكلي للسيارات الكهربائية، ولكن هذا لا يعفي دولنا في الخليج من محاولة استثمار مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية، والعمل على تقليل تكاليفها
- الحوافز المالية والاقتصادية هي أهم ما يشكل سلوك المستهلك، وهذا ما نراه في التجربة النرويجية من خلال الضرائب العالية على السيارات التقليدية، والإعفاءات الضريبية على السيارات الكهربائية
- صحيح أن النفط هو مصدر دخلنا الأساسي، ولكن هذا يمثل حافزا إضافيا لتقليل الهدر والاستهلاك الداخلي المسرف، وليس العكس.

بقي أن أقول: هذا المقال القصير ليس دعاية للسيارات الكهربائية، ولست أنادي بأن علينا تبينها الآن. هو مجرد تسليط ضوء على دولة نفطية اختارت المضي بشراسة في اتجاه يخالف المفهوم السائد في البلاد النفطية الأخرى دون تردد أو تحفظ، وراهنت على التقدم التقني وأعدت نفسها ومواطنيها لذلك، وهذا في حد ذاته مثير للإعجاب.