الاثنين، 19 مايو 2014

أثر رفع الحد الأدنى للأجور على مستوى البطالة.. إعادة نظر

دار مؤخرا نقاش على تويتر حول أثر رفع الحد الأدنى للأجور في بلد ما على معدلات البطالة. الرأي الذي تبناه صديقي هو أن النتيجة لرفع الحد الأدنى للأجور سيؤدي (غالبا) لزيادة البطالة بين العاملين الأقل مهارة. صديقي يرى أن هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين على حتمية هذه النتيجة، أي أن المسألة محسومة وبديهية. لكن هل القول بحتمية هذه النتيجة صحيح سواء نظريا أو من خلال الأرقام على أرض الواقع؟

في البدء يجب أن لا نغفل أن الظواهر الاقتصادية هي فرع من الظواهر الاجتماعية وبالتالي تتخللها عوامل كثيرة لا تسهل الاحاطة بها عن طريق النماذج الرياضية المبسطة.. مما يعني أن ما تتنبأ به النماذج نادرا ما يوافق الواقع تماما، بل حتى قد يخالفه في الاتجاه أحيانا، خصوصا إن كانت النماذج مغرقة في المثالية والبساطة. 

والآن لنرجع للسؤال: هل زيادة الحد الأدنى للأجور تؤدي (حتما أو غالبا) لزيادة نسبة البطالة؟ 

الذين يجيبون بنعم، هم غالبا يستندون الى نموذج منطقي لكنه مبسط جدا. النموذج المنطقي المذكور يفترض بأن سوق العمل هو سوق تنافسي بحت، وهذا السوق له نقطة توازن تتساوى عندها كمية المعروض من الأيدي العاملة مع ما تطلبه الشركات والمؤسسات، وأن الكل في هذا السوق التنافسي يتصرف بأقصى درجات الكفاءة وبالتالي ويحصل العامل على أجر يساوي تماما قيمة عمله، فلا أحد في هذا السوق المثالي يأخذ أكثر من حقه ولو بهللة، وأرباح الشركات تساوي صفرا، حيث أن القيمة التى تخلقها عوامل الانتاج من موظفين ومعدات تساوي تماما ما تصرفه الشركة من رواتب لهؤلاء الموظفين وتكلفة المعدات. في هذا العالم المثالي، فإن المنطق يحتم أن أي زيادة للحد الأدنى من الأجور فوق نقطة التوازن سيؤدي لخلل، فإذا كانت مقدرة العامل الانتاجية تساوي 10 ريال وأجبرت الدولة المؤسسة أن تدفع له 15 ريال، فإن المؤسسة التنافسية لن تملك إلا أن تتخلى عنه، وإلا خسرت المال. 

 النموذج المبسط يبين الأثر السلبي لرفع الحد الأدنى للأجور على سوق العمل


هذا الرأي ليس جديدا، بل طرحه الاقتصاديون منذ الستينات والسبعينات الميلادية، لكن ولحسن الحظ، فإن الدراسات حول هذا الموضوع والأساليب الاقتصادية والإحصائية منذ ذلك الحين تطورت بشكل كبير وصارت الأبحاث بالمئات.

ظلت النظرة السائدة هي أن زيادة الحد الأدنى للأجور لها أثر سلبي على سوق العمل، حتى جاءت أبرز الدراسات التى خالفت النتيجة المنطقية المبسطة أعلاه هي دراسة Card and Kruger 1994 والتي اعتمدت على ما يعرف بالتجربة الطبيعية لقرار حصل في ولاية نيوجيرسي لرفع الحد الأدنى للأجور ومقارنة النتائج مع ولاية مجاورة تتشابه خصائصها الاقتصادية ولكن لم يطلها القرار نفسه، وتم مسح عينة تفوق 400 مطعم للوجبات السريعة معظم العاملين فيه ممن يتقاضون الحد الأدنى للأجور، واستخلصت الدراسة أنه لا يوجد أثر واضح لارتفاع نسبة البطالة بين هؤلاء نتيجة قرار رفع أجورهم. هذه الدراسة أحدثت هزة في أوساط الاقتصاديين ,وأثارت جدلا خصوصا بين من كانوا يسلمون بأن أي تدخل كهذا في آليات السوق سيكون أثره سلبيا بلا جدال. 

الدراسات توالت بعد ذلك، كل يخرج بنتيجة بين مؤيد ومعارض، ولكن بدا ظاهرا للكل أنه لا توجد نتيجة حاسمة تقول قطعا بأن رفع الحد الأدنى للأجور يؤدي لزيادة البطالة، أو أن هذا الإجراء يؤثر سلباً على الاقتصاد كما يشيع المتطرفون من أنصار حرية السوق. ومنذ عام 2000 تقريبا صارت معظم الدراسات في هذا المجال تبحث عن تعليلات وتأويلات لحقيقة أن البيانات لا تدل على الأثر السلبي الذي يتنبأ به النموذج المبسط، وتقترح قنوات اقتصادية وسلوكية تفسر هذا الاختلاف بين النظرية الواقع. 

الإحاطة بنتائج هذا الدراسات وتلخيصها ليس بالأمر الهين نظرا لاختلاف ظروف كل دراسة من حيث المكان أو المدة الزمنية أو طبيعة البيانات المتوفرة. هناك ما يعرف بال meta analysis وهي دراسات احصائية دورها تلخيص مجموعة كبيرة من الدراسات المتفرقة، وتلجأ لأساليب رياضية دقيقة لتستخلص نتيجة دراسات مختلفة الأساليب. احدى هذه الدراسات التلخيصية كانت ل Doucouliagos and Stanley 2008 وجمعت بين 64 دراسة مستقلة حول أثر رفع الحد الأدنى للأجور في أمريكا على البطالة في بين العمال منخفضي المهارة من مراهقين وطبقات فقيرة. النتيجة كانت أن الأثر، إما لا وجود له، أو أنه قد يكون سلبيا في أحيان معدودة ولكن بنسبة ضئيلة يمكن تجاهلها احصائيا. وهي نفس النتيجة التي وصل إليها 2000 Paul Wolfson and Dale Belman في دراسة أخرى تلخص 27 بحثا مستقلا حول نفس السؤال.

معظم التوقعات الدقيقة تتركز عند الصفر، أي أن الأثر لا يذكر
إذا كيف يمكن الجمع بين النظرية المبسطة أعلاه وما وجده الباحثون على أرض الواقع؟ بداية لابد من التذكير بأن النموذج المبسط لم يعد هو المقياس الوحيد لفهم اقتصاديات سوق العمل، فقد تطورت النظريات والأساليب وصار السائد اعتماد نظريات تراعي أن الموظف يمكن تحفيزه عن طريق رفع راتبه والاستفادة من زيادة انتاجيته ، بالإضافة لنظريات تقول أن رفع الرواتب يساهم في استقرار الموظف والشركة ويجعل الموظف أكثر حرصا على تطوير نفسه وتحسين كفاءته، وفي الوقت نفسه يقلل التسرب (الاستقالات) من الشركة مما يوفر على الشركة تكاليف البحث عن موظف بديل وتدريبه وكسب ولائه، أي أن من مصلحة الشركة أحيانا رفع الرواتب فوق نقطة التوازن الافتراضية في النموذج المبسط أعلاه- كما في نموذج Shapiro-Stiglitz، وهي بهذا تعظم أرباحها وتنفع الاقتصاد ككل. وهذا أمر نراه عيانا في الشركات الكبرى في السعودية مثلا، خصوصا عند أولئك الذين يعملون في المهن اليدوية الشاقة.

كما قامت دراسات توضح الأثر الإيجابي لرفع الحد الأدنى للأجور وذلك بأن يتحسن استهلاك الطبقة الفقيرة للسلع والخدمات، وهذا ما تفطن له هينري فورد في قبل مئة عام عندما رفع أجور عمال مصانعه إلى الضعف من دولارين ونصف إلى خمسة دولارات، فعزز ولاء موظفيه وخلق طبقة وسطى قادرة على شراء سياراته آنذاك، فارتفعت أرباحه ككل رغم مضاعفته الصرف على الأجور. كما تبين الدراسات أن الشركات تسعى غالبا لرفع كفاءة موظفيها لتتناسب مع رواتبهم الجديدة، فتحرص على تطويرهم أو تطور أساليب العمل في الشركة لتزيد الإنتاجية وبالتالي لا تتأثر كثيرا بعبء زيادة أجور موظفيها. 

أما عن السؤال الذي يتكرر بأن رفع الحد الأدنى للأجور سيؤدي إلى غلاء عام في أسعار السلع، فنذكر هنا بأن الزيادة تطال فقط فئة محدودة وليست كل قطاعات الموظفين، ومع ذلك قامت دراسات في هذا الشأن احداها للباحثة 2008 Sara Lemos التي لخصت قرابة 30 دراسة مستقلة حول أثر رفع الحد الأدنى للأجور على مستوى الأسعار في أمريكا، وكانت النتيجة أن رفع الأجور بنسبة 10% يؤدي لزيادة في أسعار المواد الغذائية بنسبة لا تتجاوز 4%، أما مستوى الأسعار الكلي فلا يرتفع بأكثر من 0.4%. أي أنه مع وجود الزيادة في الأسعار، إلا أن المنفعة الكلية تفوق الضرر المترتب على الزيادة. 

كاريكاتير يعكس النظرة السائدة بأن رفع الأجور لا يفيد لأنه يرفع الأسعار


وطبعا قد يقول قائل بأن الشركات التي تجبرها الدولة برفع الحد الأدنى للأجور قد لا تفصل موظفيها صراحة، بل قد تقلل ساعات عملهم أو تقلل الصرف على الدورات التدريبية أو المزايا غير المادية، وهذا قد يصح في حالات إلا أن الدراسات الميدانية أظهرت أن لا دليل ملموس على انتشار مثل هذه السلوكيات بين الشركات. 

وختاما، يمكن أن يقول البعض بأن الدراسات التي ذكرت أعلاه قد يشوبها ما يشوب غيرها من علل، وربما أن ما ينطبق على أمريكا قد لا ينطبق على غيرها، وهذا قول معتبر، لكن ما وددت ايضاحه في هذا المقام هو خطأ التسليم بتنبؤات النماذج المبسطة جدا، وبناء القرارات عليها دون النظر في نماذج أخرى أحدث وأكثر محاكاة لواقع الناس وطبائع البشر وسلوك الشركات، ودون التحقق من البيانات الواقعية على الأرض. وهذا الحذر ينبغي الأخذ به عموما عند الحكم وابداء الرأي في معظم الظواهر الاقتصادية. 

مصادر:

Card, David and Alan Krueger. 1994. "Minimum Wages and Employment: A Case Study of the Fast-Food Industry in New Jersey and Pennsylvania." American Economic Review, vol. 48, no. 4, pp. 772-793. 

Doucouliagos, Hristos and T. D. Stanley. 2009. "Publication Selection Bias in Minimum-Wage Research? A Meta-Regression Analysis." British Journal of Industrial Relations, vol. 47, no. 2, pp. 406-428. 

Hirsch, Barry T., Bruce Kaufman, and Tetyana Zelenska, "Minimum Wage Channels of Adjustment." IZA Discussion Paper No. 6132. Germany: Institute for the Study of Labor. 

Lemos, Sara. 2008. "A Survey of the Effects of the Minimum Wage on Prices." Journal of Economic Surveys, vol. 22, no. 1, pp. 187-212. 

Wolfson, Paul and Dale Belman. Forthcoming. What Does the Minimum Wage Do? Kalamazoo, MI: Upjohn Institute for Employment Research. 


الاثنين، 10 مارس 2014

نصائح عامة للمقبلين على الدكتوراه في الاقتصاد

سألني بعض الإخوة عن قبول الدكتوراه في الاقتصاد أو التمويل من الجامعات الأمريكية، وما تتطلبه هذه البرامج عادة من خلفية في الرياضيات أو غيرها من العلوم، بالإضافة لأسئلة حول الاختبارات اللازمة ورسائل التزكية وما إلى ذلك. وقد سبق أن نشرت هذا الرد على موقع (مبتعث) وهأنا أنشره ثانية مع بعض الزيادة للفائدة. أذكر أني قبل بضع سنوات عندما كنت في طور التقديم لم أجد شيئا من هذه المعلومات باللغة العربية، وكنت أود لو أن أحدا أخبرني بما على توقعه في هذه البرامج، لذا أردت أن أختصر عليك الأمر.

بداية، هذه المعلومات تختص بالجامعات الخمسين الأوائل في أمريكا .. وليس لي دراية بغيرها من الجامعات متواضعة المستوى أو بجامعات خارج أمريكا. 

في معظم الجامعات الكبيرة يدرس الطالب في السنة الأولى المواد الأساسية، ثم يأخذ الامتحان التأهيلي (أو الشامل)، وعند اجتيازه يمضي السنة الثانية في مواد الحقل الدقيق، وبعدها يبدأ في طور البحث والكتابة.
هناك حقول أساسية في الاقتصاد، وهو تمثل عماد المواد للسنة الأولى في أغلب الجامعات وهي
اقتصاد كلي، اقتصاد جزئي، اقتصاد قياسي


ثم هناك مسارات دقيقة قد لا تجدها في كل الجامعات ولكنها شائعة وهي اقتصاد قوى عاملة، اقتصاد مالي، اقتصاد صحة، اقتصاد طاقة، اقتصاد تنظيمات صناعية، اقتصاد دولي، اقتصاد تنمية

أما عن أفضل الجامعات فستجد قائمة أفضل خمسين على هذا الرابط


طبعا لا يخفى عليك أخي الفاضل أن قوائم التصنيف كثيرة كل واحدة لها مقاييسها الخاصة.. وتصنيف أقسام الدراسات العليا في الاقتصاد يعتمد على غزارة الأبحاث المنشورة من الجامعات ومستوى المنافسة فيها.. وليس بالضرورة على مهارة الأساتذة في التدريس، فعليك احسان الاختيار حسب ميولك البحثي. 

الغالبية العظمى من أقسام الدراسات العليا في الاقتصاد في الجامعات المئة الأوائل لا يوجد فيها تخصص ماجستير مستقل, بل يلتحق الطالب مباشرة ببرنامج الدكتوراه بعد اتمام المرحلة الجامعية.. ولكن هناك بعض الاستثناءات مثل جامعة دوك  Dukeوجامعة فاندربلت Vanderbilt وأخريات حيث تعرض الجامعة بالإضافة لبرنامج الدكتوراه برنامجا متخصصا للماجيستير مدته سنتان والهدف منه اعداد الطالب لسوق العمل خارج النطاق الأكاديمي. 

ينبغي لدارس الاقتصاد تحسين مهارته في الرياضيات... الناس في السعودية والخليج تظن أن الاقتصاد تخصص نظري ولا يحتاج رياضيات.. ولكن بحكم تجربتي في دراسة الهندسة في الجامعة ثم ماجستير اقتصاد والآن الدكتوراه من أمريكا، أؤكد لك أن الرياضيات في تخصص الاقتصاد ستفاجئك بكثافتها وتعقيدها.

ثانيا، وبما أنك تسأل عن أقوى الجامعات، فلابد من التركيز على اختبار الجي أر إي GRE في مرحلة التقديم، إذ لا بد أن تطمح لعلامة تفوق 700 في القسم الكمي Quantitative من هذا الاختبار كحد أدنى، ويتحقق ذلك بالتدريب على الكتب المتخصصة والتي تباع في كل المكتبات. لكن لا تهتم كثيرا لدرجة اللغة Verbal Reasoning في الاختبار الجي آر إي إن كانت علامة التوفل جيدة.

عند التقديم في الجامعات الجيدة في أمريكا سيطلب منك كتابة رسالة قصيرة من صفحتين عن أهدافك Statement of Purpose توضح فيها اهتماماتك العامة في البحث. تذكر أن موضوعك الذي ستحدده هنا ليس ملزما ويمكنك تغييره فيما بعد، الهدف فقط معرفة المامك بالاتجاهات البحثية في حقلك. 

كما تطلب جامعات أخرى رسائل تزكية من مدرسين سابقين أو جهة عمل يوضحون فيها قدرتك على البحث، أو قدرتك على العمل المركز الطويل. 

عملية التقديم طويلة تستغرق حوالي 3 أشهر من التحضير لاختبار الجي آر إي وتعبئة النماذج والحصول على رسائل تزكية وكتابة رسالة الأهداف.. فخطط جيدا حتى لا تفوتك تواريخ التقديم في الجامعات.

غالبا لا بد من أخد الGRE مع نوفمبر أو بداية ديسمبر. وتنتهي فترات التقديم في الجامعات مع منتصف يناير وقد تطول إلى نهاية فبراير.. فتأكد من موقع جامعتك على الإنترنت.

معظم الجامعات تتيح التقديم عن طريق الموقع مباشرة مع تعليمات حول تحميل خطابات التزكية وما إلى ذلك. 

الاقتصاد في مرحلة الدكتوراه ليس تخصصا لكل أحد، بل لا بد له من اعداد وتهيئة، وهو في النهاية تخصص بحثي وقد لا يلبي طموحات الكل. فالكثير يظن أنه يريد دكتوراه في الاقتصاد بينما قد يكون الأفضل لطموحه العملي هو ماجستير إدارة أعمال MBA. كما أن راتب خريج الدكتوراه يكون أحيانا أقل من ماجستير مالية أو إدارة أعمال مع خبرة عملية، فوجب التنبيه على ذلك.

والآن لعلي أفتح عينيك على ما لا يذكرونه لك على مواقع الجامعات الرسمي. مرحلة الدكتوراه (خصوصا السنة الأولى) فيها الكثير من العناء. ساعات طويلة لحل المسائل وشك مستمر في المغزى من كل هذه النظريات التي قد تبدو لك أنها لا تمت للواقع بصلة. لا توجد أسئلة سهلة، لا توجد اختبارات سهلة، الأساتذة لا يكترثون كثيرا لشرح المواضيع بإسهاب كما اعتدت عليها في المرحلة الجامعية. الكل يفترض أن الطلاب تكفيهم بعض النقاط والوجيزة حول كل فصل، بعدها يمضي الأستاذ للفصل التالي. خلال بضعة أسابيع في القسم، ستكتشف أن الأساتذة قد مروا على مئات الصفحات في كل كتاب وأنت لم تستوعب بعد ما ذكر في أول أسبوع. عادي جدا، هذا يحصل مع كثير من الطلبة، المهم أن تظل متماسكا وفي صحبة زملائك لتستوضح منهم ما يشكل عليك فهمه. من السهل جدا الشعور باليأس في البداية لكن الأمور ستتحسن بمرور الوقت. إن كتب الله لك والتحقت ببرنامج دكتوراه مميز ستذكر كلامي هذا. 

لتكون فكرة أوضح عما ينتظرك في مرحلة الدكتوراه أنصحك بزيارة موقع
واطلع على عناوين الكتب المقترحة
هذه كتب لطلاب سنة أولى في التخصصات الرئيسية التي ذكرت لك.. انصحت بشراء شيء منها أو أخذها من مكتبة عامة لمعاينة ما أقول لك حقيقة

وختاما أقول لك.. الرياضيات ثم الرياضيات...

وهذه بعض المواد التى ينبغي لك الإلمام بها أو مراجعتها قبل الالتحاق بالدكتوراه.. ولا يكفي أن تكون قد أخذتها في مرحلة سابقة إن لم تكن تذكرها الآن، بل عليك بالمراجعة

Multivariable Calculus
Linear Algebra
Real Analysis
Probability and Statistics


هذا يمثل الحد أدني من الرياضيات المطلوبة

ويفضل أن تكون قد أخذت المواد التالية في الاقتصاد ووصلت إلى مستوى ثاني
Intermediate Microeconomics
Intermediate Macroeconomics
Econometrics



يعني أن تكون قد أخذت هذه المواد على مستوى الجامعة أو الماجستير. 

في مرحلة الدكتوراه سيتوقع الأستاذ أن هذه المواد صارت من البديهيات ولن يقف عندها البتة، بل سيمضي بسرعة البرق لمناقشة المواضيع الدقيقة، ويترك الباقي لك من خلال أسئلة الواجبات أو البحث.


أما إن لم يكن عندك هذا التأهيل فسيكون من الصعب عليك الدخول إلى أو النجاح في جامعة من الخمسين الأوائل. وإن كنت تحب الاقتصاد ولكنك لم تحصل على هذا التأهيل، فهناك برامج أصغر في أمريكا أو بريطانيا وقد تكون غير معروفة لكنها تفي بالغرض.

أسود مثلي



كتاب (أسود مثلي) يحكي قصة واقعية لمؤلفه جون غريفن، تدور أحداثه في نهاية خمسينات القرن الماضي زمن استفحال الممارسات العنصرية ضد السود وأصحاب البشرة الداكنة في ولايات الوسط والجنوب الأمريكي. (غريفن) رجل أبيض من تكساس حظي بتعليم راق، قرر القيام بتجربة فريدة ليتعرف بنفسه على المعاناة اليومية للرجل الأسود في بيئة تطفح عنصرية وكراهية، فاختار طواعية بأن يتحول بنفسه إلى شخص أسود!

وبعد سؤال أطباء الجلد بدأ رحلة العذاب الجسدي بإخضاع نفسه لجلسات أشعة فوق البنفسجية لمدة خمس عشرة ساعة يوميا، وتناول كميات كبيرة من مادة ميتوكسالين لتغميق البشرة! ثم أجهز على ما تبقى من بقع بيضاء في جسمه حول الشفتين والعينين باستعمال الطلاء.

لم يلتفت (غريفن) لنصح المشفقين من معارفه، وقرر أن يتوجه الى ولاية ميسيسيبي معقل العنصرية آنذاك. العجيب أن (غريفن) لم يغير شيئا قط من نفسه سوى لون البشرة. فقد قرر أن يعرف بنفسه بإسمه الأصلي، ويتحدث بلهجته الأصلية التي توحي بثقافة وتعليم صاحبها، بل ويتحدث عن ما ألفه من كتب وانجازات دون مداراة أو خجل. 

المفاجأة هي أن هؤلاء العنصريون لم يعبؤوا بشي من هذه التفاصيل، فقد كان لونه الداكن في أعينهم كفيلا بأن يطغى على ما سواه من لهجة أو ثقافة. لم يكترث أحد بالسؤال عن اسمه أصلا.. كان ينادى ب(الفتى) أو (الولد) Boy وهي صيغة للازدراء ولتذكير الملونين بأنهم في الأصل عبيد في بلاد الرجل الأبيض. كما لم يعبأ أحد بأنفه الدقيق وشفتاه النحيفتان.في نظرهم كان عبدا أسودا وانتهى. يقول (غريفن) بأنه كان يظن بأن ملامحه البيضاء ولهجته ستكون غريبة وقد تفضح شأنه، لكنه عندما بدأ بمخالطة الملونين اكتشف كم كان مخطئا، فهؤلاء (السود) هم في الواقع خليط جميل من اللهجات وألوان العيون ورسمة الأنف بل ولون والشعر وتجعيده. كان (غريفن) كغيره ينظر نظرة تعميم مثله مثل العنصري الذي يقول (كل السود سواء) ولا يكلف نفسه جهد النظر لهؤلاء البشر على أنهم مزيج غني من أعراق وثقافات قد تفوق في تنوعها الرجل الأبيض. 

ثم يحكي (غريفن) بأنه حاول النزول في غرفة جيدة للسكن، فلم يسمح له سوى بغرفة قديمة تملأها الحشرات في حي سيء. عندها انتبه للحقيقة بأن ذاته لم تتغير، ولا ثقافته ولاتعليمه، ولازال يحمل نفس النقود التي كانت مع (غريفن) الأبيض، إلا أن كل أموال الدنيا لم تكن لتمكنه من النزول في غرفة أفضل من تلك مع لونه الجديد. وعندما هم بالبحث عن وظيفة، كان يراسل الشركات باسمه الأصلي ومؤهلاته الأصلية، فيطلب منه الحضور للمقابلة الشخصية، وحالما ما تقع عليه الأعين تختفي الوظيفة بقدرة قادر ويصرف بشتى الوسائل. حتى عندما عرض بأن يعمل كناسخ آلة بأجر أقل من المعتاد قيل له صراحة بأن هذه الوظائف ليست (لجنسكم)، وأن (أمثالكم) غير مرحب بهم. 

النظرة الدونية من هؤلاء البيض كان يملؤها الجهل المجتمعي الذي يبرر العنصرية عن طريق تقليل القيمة الإنسانية للملونين. فالبيض في نظر أنفسهم ليسو عنصريين مع البشر (الأسوياء)، إنما عنصريتهم فقط مع من هم أقرب للبهائم منهم لجنس البشر. وهذا واقع عند كل من يبرر سلوكه المشين بتصوير الآخر كشيطان أو مسخ منقوص الإنسانية. فمثلا، كان يضطر أحيانا أن يركب مع سائقي الشاحنات على الطرق بين القرى، فكان السائق الأبيض يطلب من (غريفن) بأن يحدثه عن الحياة الجنسية عند السود أو يطلب منه أن يمنحه زوجته لعدة ليالي أجرة للطريق، معتقدا أن السود همج بربريون لا أخلاق لهم، بل قد لا تخلو حياتهم الجنسية من شيء من الإثارة! وعندما يمتنع (غريفن) عن الحديث ينقلب الموقف إلى تهديد بالقتل والإلقاء خارج السيارة للكلاب. 

يقول (غريفن) حول هذه النظرة العنصرية الجاهلة بأنه كان ينتابه خوف حقيقي تجاه هؤلاء الناس، ليس خوفا على حياته، إنما خوف من مشهد هؤلاء الناس وهم يقتلون إنسانيتهم بأنفسهم، وأن بازدرائهم للسود إنما يزدرون أنفسهم ويمسخون ضمائرهم ببطء، وأنه لا فرق في دوامة العذاب والمعاناة هذه بين المضطهِد والمضطهَد. 

بعد رحلة ستة أسابيع قضاها غريفين متجولا كرجل أسود بين ولايات ميسيسيبي وألاباما ونيوأورلينز قرر العودة لمنزله ونشر مذكراته التى دونها خلال تلك المدة. أحدث كتابه ردة فعل عنيفة سواء عند المنادين بإنهاء الفصل العنصري أو أولائك العنصريين الذين أغضبهم خداع (غريفن) لهم وإظهارهم على حقيقتهم أمام الملأ. حتى أن المتشددين هاجموا منزل والدي (غريفن) واضطر هو ووالديه الإنتقال للمكسيك لسنوات خوفا على سلامته. 

كتاب (أسود مثلي) Black Like Me يدرس الآن في معظم المدارس الأمريكية.