الاثنين، 10 مارس 2014

أسود مثلي



كتاب (أسود مثلي) يحكي قصة واقعية لمؤلفه جون غريفن، تدور أحداثه في نهاية خمسينات القرن الماضي زمن استفحال الممارسات العنصرية ضد السود وأصحاب البشرة الداكنة في ولايات الوسط والجنوب الأمريكي. (غريفن) رجل أبيض من تكساس حظي بتعليم راق، قرر القيام بتجربة فريدة ليتعرف بنفسه على المعاناة اليومية للرجل الأسود في بيئة تطفح عنصرية وكراهية، فاختار طواعية بأن يتحول بنفسه إلى شخص أسود!

وبعد سؤال أطباء الجلد بدأ رحلة العذاب الجسدي بإخضاع نفسه لجلسات أشعة فوق البنفسجية لمدة خمس عشرة ساعة يوميا، وتناول كميات كبيرة من مادة ميتوكسالين لتغميق البشرة! ثم أجهز على ما تبقى من بقع بيضاء في جسمه حول الشفتين والعينين باستعمال الطلاء.

لم يلتفت (غريفن) لنصح المشفقين من معارفه، وقرر أن يتوجه الى ولاية ميسيسيبي معقل العنصرية آنذاك. العجيب أن (غريفن) لم يغير شيئا قط من نفسه سوى لون البشرة. فقد قرر أن يعرف بنفسه بإسمه الأصلي، ويتحدث بلهجته الأصلية التي توحي بثقافة وتعليم صاحبها، بل ويتحدث عن ما ألفه من كتب وانجازات دون مداراة أو خجل. 

المفاجأة هي أن هؤلاء العنصريون لم يعبؤوا بشي من هذه التفاصيل، فقد كان لونه الداكن في أعينهم كفيلا بأن يطغى على ما سواه من لهجة أو ثقافة. لم يكترث أحد بالسؤال عن اسمه أصلا.. كان ينادى ب(الفتى) أو (الولد) Boy وهي صيغة للازدراء ولتذكير الملونين بأنهم في الأصل عبيد في بلاد الرجل الأبيض. كما لم يعبأ أحد بأنفه الدقيق وشفتاه النحيفتان.في نظرهم كان عبدا أسودا وانتهى. يقول (غريفن) بأنه كان يظن بأن ملامحه البيضاء ولهجته ستكون غريبة وقد تفضح شأنه، لكنه عندما بدأ بمخالطة الملونين اكتشف كم كان مخطئا، فهؤلاء (السود) هم في الواقع خليط جميل من اللهجات وألوان العيون ورسمة الأنف بل ولون والشعر وتجعيده. كان (غريفن) كغيره ينظر نظرة تعميم مثله مثل العنصري الذي يقول (كل السود سواء) ولا يكلف نفسه جهد النظر لهؤلاء البشر على أنهم مزيج غني من أعراق وثقافات قد تفوق في تنوعها الرجل الأبيض. 

ثم يحكي (غريفن) بأنه حاول النزول في غرفة جيدة للسكن، فلم يسمح له سوى بغرفة قديمة تملأها الحشرات في حي سيء. عندها انتبه للحقيقة بأن ذاته لم تتغير، ولا ثقافته ولاتعليمه، ولازال يحمل نفس النقود التي كانت مع (غريفن) الأبيض، إلا أن كل أموال الدنيا لم تكن لتمكنه من النزول في غرفة أفضل من تلك مع لونه الجديد. وعندما هم بالبحث عن وظيفة، كان يراسل الشركات باسمه الأصلي ومؤهلاته الأصلية، فيطلب منه الحضور للمقابلة الشخصية، وحالما ما تقع عليه الأعين تختفي الوظيفة بقدرة قادر ويصرف بشتى الوسائل. حتى عندما عرض بأن يعمل كناسخ آلة بأجر أقل من المعتاد قيل له صراحة بأن هذه الوظائف ليست (لجنسكم)، وأن (أمثالكم) غير مرحب بهم. 

النظرة الدونية من هؤلاء البيض كان يملؤها الجهل المجتمعي الذي يبرر العنصرية عن طريق تقليل القيمة الإنسانية للملونين. فالبيض في نظر أنفسهم ليسو عنصريين مع البشر (الأسوياء)، إنما عنصريتهم فقط مع من هم أقرب للبهائم منهم لجنس البشر. وهذا واقع عند كل من يبرر سلوكه المشين بتصوير الآخر كشيطان أو مسخ منقوص الإنسانية. فمثلا، كان يضطر أحيانا أن يركب مع سائقي الشاحنات على الطرق بين القرى، فكان السائق الأبيض يطلب من (غريفن) بأن يحدثه عن الحياة الجنسية عند السود أو يطلب منه أن يمنحه زوجته لعدة ليالي أجرة للطريق، معتقدا أن السود همج بربريون لا أخلاق لهم، بل قد لا تخلو حياتهم الجنسية من شيء من الإثارة! وعندما يمتنع (غريفن) عن الحديث ينقلب الموقف إلى تهديد بالقتل والإلقاء خارج السيارة للكلاب. 

يقول (غريفن) حول هذه النظرة العنصرية الجاهلة بأنه كان ينتابه خوف حقيقي تجاه هؤلاء الناس، ليس خوفا على حياته، إنما خوف من مشهد هؤلاء الناس وهم يقتلون إنسانيتهم بأنفسهم، وأن بازدرائهم للسود إنما يزدرون أنفسهم ويمسخون ضمائرهم ببطء، وأنه لا فرق في دوامة العذاب والمعاناة هذه بين المضطهِد والمضطهَد. 

بعد رحلة ستة أسابيع قضاها غريفين متجولا كرجل أسود بين ولايات ميسيسيبي وألاباما ونيوأورلينز قرر العودة لمنزله ونشر مذكراته التى دونها خلال تلك المدة. أحدث كتابه ردة فعل عنيفة سواء عند المنادين بإنهاء الفصل العنصري أو أولائك العنصريين الذين أغضبهم خداع (غريفن) لهم وإظهارهم على حقيقتهم أمام الملأ. حتى أن المتشددين هاجموا منزل والدي (غريفن) واضطر هو ووالديه الإنتقال للمكسيك لسنوات خوفا على سلامته. 

كتاب (أسود مثلي) Black Like Me يدرس الآن في معظم المدارس الأمريكية.

هناك تعليق واحد:

  1. Baccarat & Blackjack | Wolverioneers
    Baccarat is a game of betting, 제왕 카지노 and it's a popular table game. It's the most popular 온카지노 table worrione game of your life, and you'll have to bet twice to win.

    ردحذف